14/01/2024 - 21:33

كيف يستعدّ طفلٌ للعيد بدون وجه؟ | شعر

كيف يستعدّ طفلٌ للعيد بدون وجه؟ | شعر

أطفال نازحون إلى رفح بسبب القصف الإسرائيليّ، 09/01/2023 | عبد زقّوت.

 

ماذا يفعل مَنْ سرقتِ الحرب أطرافه؟

ماذا يفعل بساعته؟

أكمام قميصه؟

حذائه؟

هل يفكّر بالجري، الرقص، المشي، الطيران؟

ماذا يفعل بجسدٍ قصّوا أجنحته؟

هل يبحث عن أصابعه بين الركام؟

وبماذا يبحث؟

هل تصبح أسنانه يدًا، لتزيح الردم؟

ماذا سيفعل بكلّ هذا الوجع، الفقد؟

كيف سيمسح دموع حبيبته،

يجدل شعرها، يحتضن يدها،

يكتب لها؟

 

*


بعد أن هدأتِ العاصفة

وجدنا فائضًا من الأحذية وساعات اليد

لم تتبقّ أطرافٌ لتحملها

 

وجدنا عيونًا متحجّرة

حبستْ ماءها طويلًا

 

وجدنا

ولم نجد شيئًا

 

لا أحذية، لا أشلاء،

لا شيء

فراغ

 

ربّما، أقول ربّما، لو بحثنا جيّدًا

قد نجد آلهةً تحلم بالورد

وبالحياة

 

*

 

أرى الإله وحيدًا

معه عصًا، يلقي بثقله عليها

سمع صراخًا، اتّجه نحوه مرتبك الخطوات

اعترضته الأشلاء والدم والركام

خاف، بكى

أكمل طريقه

تعثّر بيد طفلٍ

يحاول، يقف مرّةً أخرى،

يخنقه الغاز والغبار،

ينهار، يزحف بعيدًا، يترك عصاه

تسقط على رؤوس مَنْ بقوْا أحياءً

ترديهم قتلى، يزداد عدد الضحايا

 

يرى الإله ما فعلتْ يداه

يهلع، يصرخ، يبتعد

يجمع ملائكته حول كرسيّه

يرونه منهكًا بثيابٍ ممزّقة

يسألونه ماذا فعلتَ وأين عصاك؟

 

يصف لهم

المشهد

 

*

 

انتهتِ الكارثة

بدأتْ عرباتٌ بأسنانٍ قاسيةٍ تتقدّم نحونا

تحاول بلع الركام

 

رجاءً، انتبهوا لما تبتلعونه

اتركوا أشلاءنا

بقايا جلودنا، أطراف صغارنا المنسيّة،

صراخنا المكتوم، أثداء نسائنا، بقايا عظامنا

اتركوها سنعيدها إلى مكانها

أرجوكم انتبهوا

إن وجدتم قطعة لحمٍ منسيّةٍ، قاسيةٍ، لا صاحبَ لها

لا تلقوها للذئاب، فهي قلبي

تركته بين الركام مرّةً

ليكون قربانًا

انتبهوا رجاءً، هذا الرجل حيٌّ،

فتّش كثيرًا عن ألعاب صغاره،

يخشى عودتهم قبل أن يجد الألعاب.

"لن يناموا بدونها"،

قال وتصلّب للأبد.

 

وهذه السيّدة التائهة...

 

*


إلهي حبيبي

كيف يتّسع قلبك لموتنا

ولأزهار الزنبق معًا؟

 

إلهي العليّ

هل حاولتَ الانتحار،

الاعتذار مسبقًا؟

 

إلهي الرحيم

هل قُطِعَتْ يدك من قبل هذا؟

هل حُرِقَ جلدك؟

هل بكيت ألمًا؟

إلهي

كيف تلد نساؤك؟

 

*

 

"فَاسْتَراحَ في الْيَوْمِ السّابعِ"

 

حبيبي، مضى ثلاثة أيّامٍ بعد السابع،
هل يُعْقَل أن ترتاح إلى الأبد؟

 

حبيبي، الصلب مؤلمٌ ولحم الأطفال طريّ،
ألن تمدّ يدك لهم؟

 

حبيبي رائحة الدم والدمار قويّةٌ

كيف لم تصلك؟

حبيبي، هذا الحزن ثقيلٌ ثقيل

خذ حزننا أو خذنا كلّنا بضربةٍ واحدة

حبيبي تعبنا من

مناجاتك

 

*

 

يا الله

في الأعياد

كنّا نلوّن وجوه الأطفال بالريشة

نرسم الفراشات والعصافير تطير

ومعها تطير ضحكات العيون
 

الآن فقد الطفل وجهه

كيف يستعدّ للعيد بدون وجه، بدون فراشة؟

مَنْ تمسّك بوجهه سبقتْنا إليه يد القذيفة

فرسمتْ بالدم شروخًا
 

يا الله

طفلٌ بوجهٍ ممزّق

لن يسمح لأحدٍ أن يرسم عليه بعد الآن

نعرف هذا مِنْ تمزّقنا نحن الكبار

 

تُرى هل يخاف أن تجرح بقايا القذيفة

فراشة وجهه؟

 

*


مرّةً أخرى،

كيف حالك؟

هل يقتلك الحزن كما يفعل بنا؟

مَنْ خَلق الحزن؟

لماذا خُلِقَ أزرقَ؟

هل تحبّ الزنبق؟

لماذا ماتت زنبقتي الوحيدة،

وفي طريقها للبياض سقطتْ وتركتْني؟

هل تعرف البكاء؟

كيف تبكي؟ شعرًا، دمًا، حبًّا؟

ما لون بكائك؟

كيف يبدو المشهد من أعلى؟

إلهي

 

*


صراخٌ

ثمّ يهدأ

يحلّ مكانه نحيبٌ مكتوم

يعلو انفجارٌ

ثمّ صمتٌ

مميت

الأرض مممتلئةٌ بالأشلاء– القرابين، وأوراقٍ بيضاءَ كُتِبَتْ عليها تعليمات النزوح الجديدة.

سيّدةٌ تجري في الزحام بأيدٍ ملوّثةٍ بالدم، ترفعها في وجه الناس والعدسات فيبتعدون.

الجنرال: أظنّها قاتلةٌ تفخر بجريمتها.

التاجر: لا... أعتقد أنّها مجنونةٌ جرحت يديها لتخيفنا.

فنّان: لا، أنا أعرفها، هي رسّامةٌ، عادةً ما تلطّخ يديها وفستانها بالألوان.

عجوز: تحمل دم أبنائها على يديها، تخاف على دمهم من الماء.

 

*

 

لماذا تقف بعيدًا؟

هذه أشلاؤنا، اقترب

جماجمُ في كلّ مكان

رائحة جلدٍ محروق

أيادٍ مسح الدم اسمًا مدوّنًا عليها

لكنّنا نعرفها، من نعومتها نعرفها

هذه أقدام المارّة تركض وحدها بدون جسد

وهناك جثثٌ كاملةٌ تبحث عن الطريق

الّذي في نهايته بيتي

اقترب

أهديك دمي

نبيذَ ليلك العاري

 

*

 

الليل بارد

إلهٌ وحيدٌ يمشي بين الركام

يزيح الأشلاء بأطراف أصابعه

يبحث عن امرأةٍ تمنحه جسدًا ناجزًا

يحبس عنها ماء ورده

 

تعثّر، سقط، تعب

ارتمى في حضن كتلة حجرٍ

هي ما تبقّى من بيتٍ وذكرى

إلى أن تهيّأت له وسقى سرابها

قال لها كوني امرأتي فكانت

وحملتْ ببعض إلهٍ وبعض إنسان

 

أكمل طريقه

تركها حائرةً، خائفةً، وحيدة:

هل سيقتلني المخاض بين الركام

أم ألد كإلهات كنعان

من دون ألم؟

 


 

حنين محسن

 

 

 

 

كاتبة من قطاع غزّة، تدرس الطبّ البشريّ في الجزائر.

 

 

 

التعليقات